غزة/ دعاء الحطاب:
في خيمة بلاستيكية صغيرة، على ناصية أحد الشوارع في منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة، يعيش المواطن أبو سعيد الزعانين (49عاما) برفقة عائلته المكونة من سبعة أفراد، على أمل العودة إلى منزله الكائن شرق مخيم بيت لاهيا، والذي يقع خلف ما يسمي بـ"الخط الأصفر"، الذي تنص عليه المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
وبحسب الخرائط التي نشرت لخطوط الانسحاب، فإن جيش الاحتلال سيبقى مسيطرا على نحو 50% من مساحة قطاع غزة لحين تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.
وبناء على "الخط الأصفر" لم يستطع سكان كل من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والمناطق الشرقية لمحافظة خان يونس، وشرق مدينة غزة، وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون شمالي القطاع من العودة إلى منازلهم، ومع ذلك يفرض الاحتلال سيطرته النارية على مناطق أخرى تتجاوز خطوط الانسحاب، في خرق واضح للاتفاق.
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين حماس و"إسرائيل"، برعاية أميركية مصرية قطرية، فجر الجمعة 10 تشرين الأول/أكتوبر 2025، وكان قد أُعلن فجر يوم الخميس 9 تشرين الأول/أكتوبر 2025 في مدينة شرم الشيخ المصرية عن التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى من خطة ترامب للسلام في قطاع غزة.
الحنين للديار
ورغم يقين "الزعانين" وإدراكه أن منزله الذي عمل لسنوات طويلة لبنائه، دٌمر بالكامل من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن حنين العودة إلى الديار قد بلغ مُنتهاهُ، حتى لو أنه اضطر لنصب خيمة على أنقاض بيته.
ويقول الزعانين لـ"الاستقلال":" انتظر على أحر من الجمر بدأ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وأن يكون هناك خطوط انسحاب جديدة للجيش تمكننا من العودة إلى مناطقنا، وأقد أنصب خيمة قبال بيتي المدمر".
يتوقف للحظة ثم يُضيف بصوت متقطع: " الحياة هنا ليست وردية وليس أفضل حالاً مما ينتظرنا بمخيم بيت لاهيا، كنا ننام في أماكن مزدحمة، والمياه توزع بالقطارة، والطعام بالكاد يكفي، وعانينا كثيراً بسبب الأمراض الجلدية ولم نجد دواء، والخيمة لا تحمينا من حر الصيف ولا برد الشتاء، لكن ليس باليد حيلة، فشعور العجز كان أصعب من الخوف نفسه".
وفقد "الزعانين" الأمل في لحظات كثيرة، إلا أنه كان متماسكاً بفكرة العودة كأنها وعد شخصي بالحياة، ويوضح: "كنت أقول لنفسي إن البيت سيبقى ينتظرنا مهما طال الغياب، حتى وإن انهار، سأعود لأقف على ركامه، فالعودة ليست رفاهية، إنها جزء من كرامتنا، أن نعود ولو بلا جدران، يعني أننا ما زلنا نملك مكانا نحلم فيه"، مؤكداً أن "الوطن لا يُختار، إنما يُعاش".
صعبة المنال
وبين خيام النازحين الممتدة على مرمى البصر في منطقة المواصي الساحلية غرب مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، يرجوا النازح أبو خالد الجمل (46عاماً) العودة إلى منزله بمدينة رفح، بعدما حول "الخط الأصفر" لحظة العودة المنتظرة إلى فصلٍ جديد من المعاناة والصبر الأليم، فالمغامرة حالياً بالعودة هي موتُ محقق.
ويقول الجمل لـ"الاستقلال": "إن اتفاق وقف إطلاق لم يكن هو المأمول لنا، ولم نكن نتوقع أن بموجبه لن نتمكن من العودة إلى بيوتنا"، مستدركاً: "سكان رفح بالكامل، 270 ألف نسمة لم يتمكنوا من العودة إليها".
وأضاف بألم وحسرة:" للأسف الشديد أخر صور شاهدنا فيها رفح، كانت نسبة الدمار تفوق 98%، والتدمير مازال مستمر حتى في ظل التهدئة، لا اعتقد أننا سنجد ولو بيتاً واحد واقف برفح".
وتحت نيران آليات الاحتلال والقذائف العنيفة، استطاع "الجمل" وأسرته النفاذ بأرواحهم والخروج بأقل المستلزمات من منزلهم الكائن بمدينة رفح، عُقب ساعتين من إصدار جيش الاحتلال أوامر بإخلاء المنطقة بتاريخ 6/5/ 2024م، وفق تعبيره.
وأردف:" تركت منزلي الذي بنيته بشق الأنفس على مدار سنوات طويلة من الكد والتعب، تركته بكل ما يحتويه من أثاث وعفش، لا أنا قادر أرجع له ولا قادر أوصل مدينتي، فالعودة باتت صعبة المنال"، معبراً عن حزنه واستياءه الشديد من العيش في خيمة تفتقر لأدني مقومات الحياة الكريمة بعدما كان يملك منزلاً مساحته تتجاوز 150متراً.
ويتابع بصوتٍ يملأه الحزن:" ننتظر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار على أمل العودة إلى رفح، لكن الاحتلال مازال يُماطل بتنفيذها"، متوقعاً ألا يسمح الاحتلال بوصول المواطنين إلى رفح بالشكل الطبيعي حتى وأن دخلت المرحلة الثانية حيز التنفيذ.
ورغم قسوة الواقع على الأرض وضبابية اتفاق وقف إطلاق النار، يأمل "الجمل" بانتهاء الحرب بشكل كامل، وانسحاب "إسرائيل" من مناطق القطاع كافة، وتسريع عجلة الإعمار لإنهاء معاناة المواطنين، وإفشال مخططات التهجير وإفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها.


التعليقات : 0